شعار قسم مدونات

الثقافة لا تمنح حبيبا جيّدا

blogs-love

هل الحساسيّة العظيمة لدى الكاتب والشاعر تجعل منه حبيبا رائعا؟ حبيبا وفيّا؟

محمود درويش الذي دوّر حداثة العرب، وخلق جيلا يحبّ بذائقته العالية في الكلمات، كان لا يستطيع أن يحافظ على علاقة، أو أقله لا يضمن استمراريتها. أحبّ جدا وجعلنا جميعا نتحسّس المسافة بينه وبين عيون ريتّا، لكن لم تستمر أي من زيجاته، وكان كوب قهوته الصباحية، وحيدا وفي صمت، أشهى من كل امرأة.

الحب لا يولد ليسجن؟ الحب أيضا لا يولد ليترك! نصطف كفتيان فيه خلف نزار قباني، ونخلص كإناث لروح بلقيس؟ التوقعات تكسر القلب، وعلوّ سقفها يقصم رقبة العلاقة. ومن لديه عيون قيس يرى ليلى، ومن قد يكون دانتي سيجري من بين يدي بياتريس شعره!

هو المحبّ لا الحبّ..

أعظم الحب السّكنى بمودتها ورحمتها، لا تستسهل ما إن تدرك ولا تدرك بسهولة.

في هذه اللحظات يتزوج حبيب صديقتي، بغيرها. وقبل سنة كان علينا أن نودع روح صديقة أخرى لأن حبيبها أيضا تزوج بغيرها. لم تمت لكن الفتاة التي أمامنا لم تعد على قيد الحياة. هناك قاسم مشترك بين حبيبي صديقتي، كلاهما كان كاتبا، شخصا مثقفا. أقصد ما يوصف به الكاتب عادة أو الشخص الذي يقرأ بنهم، ويستمع بشكل جيد، وعندما يتحدث، له رأي، يكون مقنعا وربما ملهما!

كانت صديقتي في مدينة ساحليّة تخبر البحر عن كذب "المكاتيب" في حضرته، وكان هو يبتسم لزوجته، وأتخيل أنه لم يفتح صفحة جديدة إلا شاهرا وجوده الكلامي؟ رصيده الممتاز من الكلمات، من النظرات البطيئة العميقة والعبارات المقتضبة الوازنة، ولائحته الجاهزة مما يجب أن يقرأ أو يترك!

هي الأقدار وهي الأرزاق، وهي الظروف، طيب.. رفقا بالقلوب

ليس ما سلف حكرا على الكتّاب والمثقفين، يملك الجميع أن يدسّ في جيبه دفترا أسود لسجلّه العاطفي.. إناثا أيضا..

لكن هي الحالة ولشدّ ما تكرّرت!! وهي التوقعات.. أن يكون من تلتقط هشاشته إنسانيتنا كما لن يفعل غيره هو ذاته الذي يجعل مما كتبه سفها..
كيف تكون حياة الكاذب/ة بعد كذبه/ها؟
ويبقى درسا: الثقافة لا تمنح حبيبا جيّدا بالضرورة.. لا توقّعات.

كنت رسمت وجهها على الورق
كنت حفرت صوتها على الورق
كنت جعلت شعرها مزرعة من الحبق
وخصرها قصيدة
وثغرها كأس عرق
وكفها حمامة
تداعب الماء، ولا تخشى الغرق
لو لم تكوني في لوح القدر
لكنت صورتك
بصورة من الصور

يقول نزار قباني بينما أتخيل عمر بن أبي ربيعة يرد:
سلامٌ عليها ما أحبتْ سلامنا فإن كرهتهُ فالسلام على أخرى

وأحب أن تعلق بسمعي وروحي الآية القرآنية الكريمة 21 من سورة الروم:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"

أعظم الحب السّكنى بمودتها ورحمتها، لا تستسهل ما إن تدرك ولا تدرك بسهولة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان