الإعدام بإجراءاتٍ مُوجزة أو تعسفًا، أو القتل خارج نطاق القانون.. تعددت الأوصاف والجريمة واحدة؛ فقتل شخصٍ على يد وكيلٍ للدولة، أو يعمل تحت سلطة الحكومة دون أية إجراءات قضائية، والإعدام المُنبثق عن حكمٍ صادر من محكمة لم تلتزم بضمانات ومعايير المحاكمات العادلة، هو أيضًا حالة قتل تعسفي، خاصةً تلك الضمانات التي نص عليها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"؛ فحق الإنسان في عدم حرمانه من الحياة تعسفًا، حقًا مُلازمًا له مهما كان لونه أو عرقه.
عقوبة الإعدام، من أبرز العقوبات التى أثارت جدلًا حادًا في مصر خلال الفترة منذ يوليو/تموز 2013 حتى تاريخ إصدار هذا التقرير. فقد توسع القضاء المصري في إصدار أحكام إعدامٍ جماعية، تفتقد لمحاكماتٍ مُنصفة، فضلًا عن إحالة أغلب القضايا إلى المحاكم العسكرية، تطبيقًا للقرار بقانون 136 لسنة 2014.
وخلال الفترة المذكورة، صدرت قرارات من المحاكم المصرية بإحالة أوراق (أكثر من 1840 مواطنًا) إلى مفتي الجمهورية لاستطلاع رأيه تمهيدًا للحكم عليهم بالإعدام، ووصل عدد المحكوم عليهم بالإعدام خلال الثلاث سنوات السابقة إلى 793 حكمًا، وقد تم تنفيذ حكم الإعدام في عدد 7 مواطنين.
الإحالة للقضاء العسكري هي رغبة من النظام الحاكم في إصدار أحكامٍ معينةٍ، بشكلٍ مُسيسٍ، لردع خصوم سياسيين أو معارضين، يُمثل خروجًا واضحًا على حكم الدستور والقانون والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر |
وما زال القضاء -الاستثنائي – في مصر، مستمرًا في إصدار أحكام الإعدام، وبالأخص الأحكام الجماعية، في قضايا يَغلب عليها وصف القضايا السياسية، يُتهم فيها معارضين للنظام المصري. تلك القضايا، التي تأتي أوراقها خالية من الدلائل الواقعية على ارتكاب الجرائم، في جلسات قصيرة، ومُتسارعة، بالإضافة إلى صدور الأحكام بمحاكماتٍ مخالفةٍ لمعايير المحاكمات العادلة، رغم أنه في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان، يتمتع الإنسان بضماناتٍ معينةٍ ومُحددة، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثناءها أو بعدها، تعمل جميعُها على ضمان أن يُحاكم الإنسان أمام قاضيه الطبيعي، وفق إجراءات صحيحة وسليمة.
وبالنظر إلى مُعظم القضايا التي تُنظر الآن أمام المحاكم المصرية، وخصوصًا ما يتعلق بالمحاكمات العسكرية والمحاكمات أمام دوائر الإرهاب المُشكلة بالمُخالفة للقانون، نجد أن القضاء المصري الحالي، لا يُطبق في محاكماته هذه المعايير الدولية، ولا يضعها في حساباته.
فالمحاكمة العادلة التي تَحترم المعايير الدُولية التي نص عليها القانون الدُولي لحقوق الإنسان، هي دليل على صحة النظام القضائي على مستوى احترام حقوق الإنسان، وعدم تطبيق تلك المعايير دليل على ظلم النظام القضائي وانحيازه لتوجهات سياسية، والبُعد عن الحيدة والاستقلالية التي يجب أن يتمتع بها، وهو ما يُشكل دليلًا صارخًل على انتهاك حقوق الإنسان.
تشكيل دوائر الإرهاب:
بالرغم من أن الدستور نص بالمادة 97 على ألَّا يُحاكم شخص، إلَّا أمام قاضيه الطبيعي، وأنَّ المحاكم الاستثنائية محظورة، إلا أنَّ وزير العدل، أصدر في 23 ديسمبر/كانون الأول القرار رقم 10412 لسنة 2013، بتخصيص دوائر جنائية لنظر قضايا الإرهاب، وبتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول، قرر رئيس محكمة استئناف القاهرة تشكيل دوائر خاصة، مُشكلة من قضاةٍ، تم انتقائهم من محاكم الجنايات، واختصت بمحاكمة معارضي النظام. وقد أصدرت هذه المحاكم أحكامًا، قاسية، جماعية، وصلت إلى الإعدام، نقضتها محكمة النقض للعوار القانوني الذي أصابها.
المحاكمات العسكرية للمدنيين:
المحاكمة العسكرية للمدنيين في مصر، هي محاكمة استثنائية تُجريها محكمة مؤلفة من عسكريين، لا يُشترط فيهم تخرجهم من كليات القانون، للنظر والفصل في جرائم أُحيلت لها من النيابة العامة، تطبيقًا للقرار بقانون 136 لسنة 2014. ولعل أبرز انتهاكات المحاكمات العسكرية، تلك التي تتعلق بمحدودية ضمانات المحاكمة العادلة فيها، مُقارنةً بالمحاكمات المدنية. وتَستخدم الأنظمة الاستبدادية في أحيانٍ كثيرة، القضاء العسكري والمحاكمات العسكرية، لملاحقة وقمع التنظيمات السياسية المعارضة لها.
ومنذ صدور القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014، في شأن تأمين المنشآت العامة والحيوية، الصادر في 28 أكتوبر/تشرين 2014م، والذي نص في مادته الأولى على: "تتولى القوات المسلحة مُعاونة أجهزة الشرطة، والتنسيق الكامل معها، في تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكبارى وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل فى حكمها، وتعد هذه المنشآت فى حكم المنشآت العسكرية طوال فترة التأمين والحماية".
ونص في المادة الثانية: "تخضع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القرار بقانون لاختصاص القضاء العسكري، وعلى النيابة العامة إحالة القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى النيابة العسكرية المختصة". شكَّلَ اختصاصًا جديدًا للقضاء العسكري لم يرد ذكره في المادة 204 من الدستور المصري 2014، وبذلك يكون غير دستوريًا، حيث يَمنح القضاء العسكري سلطة غير منصوص عليها دستوريًا. فضلًا عن أنه ينتقص من اختصاص القضاء العادي، وهو ما يمثل انتهاكًا لاستقلال القضاء.
وبموجبه، أحالت النيابة العامة الكثير من القضايا إلى القضاء العسكري، على الرغم من أن المتهمين في هذه القضايا مدنيين، تجب محاكمتهم أمام القضاء المدني وليس القضاء العسكري، ووصل عدد المُحالين للقضاء العسكري منذ صدور القرار بقانون إلى أكثر من 7400 مواطن مصري مدني.
وقد صدر حكمًا بإعدام 8 مدنيين مصريين في 29مايو/آيار 2016م؛ وقد أفاد أسر المتهمين، أنهم تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب، وذلك أثناء فترة الإخفاء القسري |
والقضاء العسكري المصري هو إحدى هيئات وزارة الدفاع المصرية، وهو الهيئة العسكرية المختصة بالمحاكم العسكرية ذات الاختصاص الاستثنائي، طبقًا لتعريف حكم محكمة النقض المصرية. إن الإحالة للقضاء العسكري هي رغبة من النظام الحاكم في إصدار أحكامٍ معينةٍ، بشكلٍ مُسيسٍ، لردع خصوم سياسيين أو معارضين، يُمثل خروجًا واضحًا على حكم الدستور والقانون والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر.
ومع كثرة نظر قضايا المدنين أمام المحاكم العسكرية، كَثُرت أحكام الإعدام بحق هؤلاء المدنيين، وصل عدد من صدر ضده حكمًا بالإعدام خلال النصف الأول من العام 2016م، إلى 15 حكمًا، في قضيتين:
الأولى: القضية رقم 325 لسنة 2015 جنايات عسكرية الإسكندرية، المعروفة إعلاميًا بقضية "استاد كفر الشيخ"، وقد صدر الحكم بتاريخ 2 مارس/آزار 2016م، بإعدام 7 مدنيين مصريين؛ وحسب إفادة أسرهم ومحاميهم، فإن المتهمين قد تعرضوا للإخفاء القسري، والتعذيب، وتم إكراههم على الاعتراف بجرائمٍ لم يرتكبوها.
الثانية: القضية رقم 174 لسنة 2015 جنايات غرب القاهرة العسكرية، المعروفة إعلاميًا (العمليات المُتقدمة)، وقد صدر حكمًا بإعدام 8 مدنيين مصريين في 29مايو/آيار 2016م؛ وقد أفاد أسر المتهمين، أنهم تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب، وذلك أثناء فترة الإخفاء القسري، وذلك للإكراه على الاعتراف بالتهم المنسوبة إليهم.
وبتاريخ 4 يوليو/تموز 2016م، أصدرت "منظمة العفو الدولية" بيانًا تحت عنوان (تحرك عاجل)، ومناشدة وزير الدفاع المصري لوقف تنفيذ هذه الأحكام، الصادرة في القضة 174 عسكرية، وطالبت بإعادة محاكمتهم أمام القضاء المدني، حيث وصفت المنظمة تلك الأحكام بالأحكام الجائرة، إلًّا أنَّ النظام لم يستمع لذلك، وقام وزير الدفاع بالتصديق على الحكم، وبقيت درجة لهم، مُعرضين فيها لرفع الطعن، واحتمالية تشابهم حالتهم مع الحالة التي تم تنفيذها في العام 2015م، بإعدام ستة مدنيين مصريين، وذلك في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية (عرب شركس)، وتم تنفيذ الحكم فيهم في أبريل/نيسان 2015م.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.