شاهدنا بفضلكم بازار السبايا، وتجنيد الأطفال، وإقامة الحدود على خلق الله.. شاهدنا قطع الأيدي، وجز الرقاب، وإبداعات أخرى لم تأتِ الكتب والخطب الدينية على ذكرها. |
شاهدنا جميعاً موكب الخيول والملثمين يتقدم شاحنات مدرعة أمريكية الصنع، ومجنزرات وقاذفات صواريخ علقت عليها رايات سوداء، تشقون بها طريقكم لاستلام زمام الحكم. ورأينا تماثيل تاريخية تُهدم.. وحصونا تُدك.. ومقابر تُزال.. وصوراً تُمزق.. رأينا رجال الحُسبة بزيهم الباكستاني.. يجوبون الشوارع في سيارات رباعية الدفع، يراقبون الأسواق، ويفرضون تطبيق الشريعة -كما فهموها- على الجميع، يتقدمهم "أبو عبيدة" يحذّر أصحاب الدكاكين من وضع لافتات أجنبية تشبه الكفار، وينصح الرجلَ بالانتباه لاحتشام زوجته المنقبة في ثوبها الفضفاض.
تابعنا حشود الهاربين من عدل دولتكم إلى بلاد الكفرة: مسلمون استجاروا من سطوة حُكمكم يستغيثون بأول من يصادفهم، وآخرون أجبروا على الفرار من قبضتكم رافضين دفع الجزية للخليفة، وبيوتهم تقسم غنائم للمجاهدين، بعدما تم تصنيفها وكتابة حرف "النون" على بيوت النصارى.. شاهدنا بفضلكم بازار السبايا، وتجنيد الأطفال، وإقامة الحدود على خلق الله.. شاهدنا قطع الأيدي، وجز الرقاب، وإبداعات أخرى لم تأتِ الكتب والخطب الدينية على ذكرها، كالصعق والحرق والإغراق والتفجير. فساءلنا أنفسنا بصراحة: هل هذه هي الدولة الإسلامية التي نريد؟
لم أكن أتخيل يوما أني سأنفر بهذا الشكل من مشهد إقامة الحد، كنت أسمع عنه، ولا أتوقف كثيرا لتخيل التفاصيل والكيفية والظروف. لكني لم أستطع إكمال مشاهدة فيديو لعصبة من الرجال تحلقوا حول امرأة قيل أنها بغيّ مكبلة كأنها داخل كيس.. يتهافت الجمع على رميها بالحجارة حتى الموت..أمام والدها.. والعالم كلّه يشاهدها.. ويشاهدكم.. ويشاهدنا من خلالكم..
أنتم الذين أنتجتم "دولة الخلافة" في عصر الـ HD فلم نعد نخشى أن يتحايل الغرب علينا وينتج أفلاماً سينمائية تشوّه سمعتنا فنلومهم. وأنتم من سجّل لنا أرشيفاً ضخما لن يستطيع أحد مسحه من ذاكرة العالم. |
شكرا لكم أنتم الذين أنتجتم "دولة الخلافة" في عصر الـ HD فلم نعد نخشى أن يتحايل الغرب علينا وينتج أفلاماً سينمائية تشوّه سمعتنا فنلومهم. وأنتم من سجّل لنا أرشيفاً ضخما لن يستطيع أحد مسحه من ذاكرة العالم. لقد قلتم لكل من طالب بإقامة الخلافة وتحكيم الشريعة: هكذا يمكن أن يكون الأمر إن كان الشكل هو المطلوب، وهكذا تكون دولة الإسلام لمن أراد نسخها ولصقها copy/paste من كتب التاريخ، دون مراعاة لاختلاف ظروف الحياة منذ قرون.
ستصبحون حتماً جزءاً من الماضي، وسيواصل الباحثون والمحللون كتابة المؤلفات ودراسة تجربتكم ومرحلتكم. وسيبقى الجدل قائما حول صناعة "داعش" والجهات التي دعمته واستخدمته، لكن كل الخشية أن يبقى النقاش أسير هذه التأويلات، وننشغل به جميعاً عن الكنز الثمين الذي أورثتموه لنا.. كل الخشية أن نُشغل بإثبات براءتنا منكم، ونُغفل خطورتكم علينا وخطورتنا على الأجيال القادمة إن لم نكن أكثر جرأة في مراجعة أولوياتنا وإعادة قراءة تاريخنا بصورة منقّحة.. الخشية أن نضيفكم إلى صفحات التاريخ ثم نطوي الكتاب، ونعود للمطالبة بإقامة "دولة الإسلام".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.