من خلال متابعتي السابقة لكرة القدم المحلية وتشجيعي للفرق السورية (الاتحاد)، اكتب إليكم من تجربة شخصية عن الرياضة في سوريا، وما ينتشر اليوم تحت شعار: لا تخلطوا الرياضة في السياسة فهذا منتخب (الوطن)!
في فترة ما قبل الثورة السورية نجحت أندية الاتحاد والكرامة بالظهور العربي والآسيوي بشكل مشرف نوعاً ما، فالاتحاد بطل كأس الاتحاد الآسيوي والكرامة وصيف لدوري أبطال آسيا ومعلبه ( خالد بن الوليد ) مقبرة الفرق، وبعد أن بدأت الأندية السورية بتحسين موقعها الآسيوي، وذلك بعدما تمكن بعض الرياضيين السابقين مع بعض التجار بالتحرر قليلاً من سيطرة حزب البعث والمخابرات على الرياضة بالرشاوي أو طرق أخرى ونجحوا بذلك وأظهروا للجميع أن العطل بسبب تدخل الحزب وقوى الأمن والجيش بالرياضة، ذهبت العيون إلى المنتخب السوري لكرة القدم .
بعد سنوات الثورة السورية ما يزال المنتخب السوري ينقاد وفق العقلية السابقة التي لن ولم تتغير، كل شيء في سوريا يعمل لمصلحة الحفاظ على النظام وبقاء النظام. |
مدرب المنتخب يعتبر منصب مهم وكحال أي منصب في سوريا الأسد يجب أن يراعى فيه المرحلة الحساسة والصراع العربي الإسرائيلي وعنق الزجاجة التي تمر به الدولة، وعليه يقوم الحزب بترشيح من يرى فيه الكفاءة الحزبية وتتوافر فيه الشروط السابقة، وبالتالي كان نصيب المدرب فجر إبراهيم عالياً بتدريب المنتخب الوطني بتلك الفترة.
فالتصق بالمنتخب السورية المدرب / فجر إبراهيم وألصق به، ومع انتشار الانترنت والمنتديات والمواقع الرياضية وتأثيرها، بدأت سوريا تشهد (اعتراضات) على سياسة الدولة في المنتخب!
وكما هي أي حالة تظهر للسطح في سوريا، عند وجود أي اعتراض على أي قرار للحكومة الرشيدة والحزب المجيد ستجد الشبيحة بالانتظار لاقناعك أن قرار الحكومة تم بعد مراعاة للصراع مع العدو الإسرائيلي وأن تحفظك أو اعتراضك سيساهم في وهن نفسية الأمة السورية والعربية، وحاولنا جاهدين وقتها إيجاد أي مبرر نقنع به أنفسنا أن هذا المدرب ممتاز للمنتخب، وعليه اقنعنا أنفسنا أنه من خلال خبرته السابقة حصل على لقب (أفضل مسدد لرميات التماس)!
مواجهات كلامية شبه يومية عبر المواقع والمنتديات الرياضة ضد هذا المدرب، حتى اتى اليوم الذي التقيت به السيد فجر إبراهيم شخصياً.
كان النقاش معه صدمة نوعاً، فالرجل قال لي: انتقدوا كما تشاؤون، المهم أنكم تنتقدون في كرة القدم ولا تنتقدون شيء آخر!
ثم أضاف أنتم ضدي كوني "علوي"، ومن يقف ضدي هو مع القاعدة او متأثر بفكر القاعدة (التهمة من قبل الثورة جاهزة لأي معارض لأي شيء في سوريا – إرهابي من القاعدة!)، طبعاً عندما يأتيك الكلام من علوي في سوريا ومدرب فهذا يعني تهديد بالحياة، فأجبته على الفور أن كابتن الكرامة علوي ولم ينتقده أحد، فصمت ولم يجب.
واليوم بعد سنوات الثورة السورية ما يزال المنتخب السوري ينقاد وفق العقلية السابقة التي لن ولم تتغير، كل شيء في سوريا يعمل لمصلحة الحفاظ على النظام وبقاء النظام، حتى وإن اضطر الأمر على تهديد اللاعبين باللعب للمنتخب غصب عنك، حتى لو كان والدك معتقل لدى النظام، وشقيقك منشق عن الجيش، سيتم استدعائك وتهديدك بتصفية أقربائك المعتقلين في حال رفضت اللعب للمنتخب، مع وعد من (اللواء) بأن يسعى لفك أسر أقربائك بحال كان أدائك جيداً مع المنتخب!
النظام يستثمر في كل شيء لأجل أن يظهر نفسه أنه موجود وعلى قيد الحياة ولا بديل عنه، مع التأكيد على شعار يرفعه أنصار النظام (مافي شي بسوريا) والوضع طبيعي، وما يحصل مبالغ فيه إعلامياً، أنظروا حتى منتخب كرة القدم يلعب، مع التنويه أن المنتخب لا يستطيع أن يلعب على أرضه!
عندما يفوز المنتخب الأسدي (سيتشرف) اللاعبين بالسلام على سيادته، وسيادته سيصرح للعالم أن نجاح المنتخب دليل نجاح قيادته الحكيمة ومؤسساته التي تعمل على الرغم من المؤامرة |
واليوم في تصفيات كأس العالم تخرج أصوات (عن سوء نية) بالحديث أن المنتخب هو منتخب لكل سوريا وليس منتخب النظام، لا يا سادة هذا منتخب بشار الأسد والميلشيات التابعة له، هذا منتخب يمثل النظام الإجرامي المميت، هذا منتخب البراميل المتفجرة فوق رؤوس الجماهير، هذا منتخب الكيماوي، هذا منتخب سجن تدمر، هذا منتخب الشبيحة.
هذه الأصوات تريد أن يرتفع صوت كرة القدم على صوت الثائرين، تريد أن ترسل برسالة أن سوريا تتصالح وتتعافى والشعب يتصالح مع النظام، تريد أن يرتفع صوت الأغاني (الوطنية لبشار الأسد) على صوت صرخات الأطفال تحت أنقاض براميله، تريد ترقيع ما يمكن ترقيعه وتقول أن هنالك دولة ومؤسسات في سوريا، بينما الواقع هنالك عصابة مأجورة طائفية تحتل هذا البلد تتبع لإيران وروسيا.
يقولون كذباً أن لا علاقة للسياسة بكرة القدم في سوريا، بينما عندما يفوز المنتخب الأسدي (سيتشرف) اللاعبين بالسلام على سيادته، وسيادته سيصرح للعالم أن نجاح المنتخب دليل نجاح قيادته الحكيمة ومؤسساته التي تعمل على الرغم من المؤامرة، وغالباً سيتهم المعارضة أنها سبب فشل المنتخب سابقاً على الرغم من عدم وجودهاً، المهم أن تكذب وليس مهماً التدقيق في الكذبات فالقطعان التي ما تزال لليوم تؤيده ستصدق أي شيء.
لا يمكن لأي إنسان فيه قليل من الاحترام لإنسانيته أن يقف مع أي شيء يتبع النظام، كنت مهوساً بكرة القدم ولا زلت، ومنتخب سوريا لكرة القدم الذي يمثلني هو منتخب الكابتن جهاد قصاب رحمه الله حياً كان أم ميتاً (مغيب في سجون الأسد) والكابتن عبد الباسط ساروت ورفاقهم الشهداء منهم والمعتقلين عند راعي الرياضة والرياضيين المجرم بشار الاسد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.